انتظرت أسرة أبو عبدالكريم عودة الأب إلى البيت وخاصة بناته الثلاث رجاء ونجوى ويسرى كانوا بانتظار الهدايا التي سيقدمها لهن أبوهن ، وكل واحدة منهن تتخيل نوع الهدية التي ستحصل عليها ، وفجأة دق جرس باب المنزل فإذا بالأب هو من كان على الباب فأسرعن اليه تريد كل واحدة منهن أن تفتح الباب علها تحصل على الهدية من أبيها قبل ان تحصل عليها الاخريات ، ومن شدة فرحهن بعودة ابيهن وشوقهن للهدايا إذا بهن تتغير ملامح وجوههن من شدة الفرح إلى الحزن الشديد خاصة وأن الأب أبو عبدالكريم كانت يداه فارغتان من الهدايا .
دخل الأب (أبو عبد الكريم) المجلس ومعه كل أبناءه وزوجته، وبدأ يلعب مع بناته الثلاث وأبنه وبدى المكان يضج من الضحك والفرحة من كثرة ما لعب الجميع في تلك الليلة، ولكن البنات الثلاث لا زال هاجس الهدايا على مخيلتهن، ورغم اللعب والضحك الذي عم المنزل لم تتحمل نجوى ذلك وصرخت في وجه ابيها قائلة أبي أين الهدايا التي وعدتنا بها، صمت الأب وقال لقد نسيتها في دكان العم أبو بركة، بكت البنات الثلاث، وهنا تدخل الأخ الأكبر عبد الكريم لإسكاتهن قائلاً لهن سأذهب لإحضار الهدايا من الدكان.
خرج عبد الكريم من منزلهم الواقع في حي سكني شرق أمانة العاصمة صنعاء، وما هي إلا لحظات حتى سمع صوت انفجار كبير نتيجة شن غارة جوية لطيران دول تحالف الحرب على اليمن فتحسس مكان ذلك الانفجار فإذا به يتفاجأ بأن الانفجار وقع في منزلهم فتغيرت ملامح وجهه وأصبح كل ما حوله ظلام، لم يكن منزل أبو عبد الكريم بجوار منشأة أو موقع عسكري، بل منازل مواطنين آمنين بداخلها.
يقول عبدالكريم رجعت إلى البيت مسرعاً فإذا به كومة ركام سقط سقفه وكان الغبار ورائحة البارود تملئ المكان وكنت اسمع صراخ أخواتي من تحت الركام حاولت ومن معي من الجيران لإزاحة الركام وإنقاذهن لكننا لم نستطيع حاولنا مراراً وتكراراً دون فائدة ، وأثناء ما كنا وجميع جيرانا نحاول ابعاد الركام من فوق رؤوس أخواتي وابي إذ بصوت طائرة حربية تحلق فوق رؤوسنا بكثافة ، وتفرق جميع من كانوا يحاولون إزالة الركام وانقاذ اخواتي اللواتي يصرخن لمساعدتهن خوفاً من ان تطالهم غارة جديدة من الطيران، وبعد دقائق سمعنا ازيز صاروخ يتجه نحو ركام منزلنا ويحدث انفجاراً كثيفاً ملاء المكان غبار من التراب وتطايرت الاحجار وبقايا شظايا الصاروخ على اوسع نطاق ، وبعد مغادرة الطائرة هرعت مسرعاً إلى المكان الذي كان ينبعث منه صوت أخواتي فلم اسمع أي شيء وانقطع صوت صراخهن واستنجادهن فمات أبي وأخواتي الثلاث ، ولم يبق سوي وأمي ، تألمت كثيراً وتمنيت في تلك اللحظة لو أني اتبخر .
ويذكر عبد الكريم أن هذه الليلة كان منزلهم مملوء بالسعادة وتبدلت تلك السعادة إلى حزن وألم شديد، ويقول عبد الكريم شعرت بالظلام والسواد الأعظم الذي بدل ذلك النور الذي كان يعم منزلنا خاصة وأن تلك الليلة اجتمع فيها البراءة وضحكات اخواتي وبكاءهن من أجل الهدايا ورأيت الإجرام والظلم بأبشع صورة.
أصبحت حياتي وأمي صعبة بدون أبي واخواتي، فقد انتهى كل شيء، ولم تعد أمي ترغب في العيش، وأنا أقوم بزيارة قبر أبي واخواتي كل يوم وأدعو الله تعالى أن يعوضهما عن هذه الدنيا المليئة بالوحوش بجنة الخلد.
أصبح عبد الكريم عاجز عن توفير أبسط الاحتياجات اللازمة كالغذاء والدواء وإيجار سكن له ولوالدته، خاصة وأن مرتباته انقطعت منذ سنوات ثلاث بسبب قيام دول التحالف بتوقيفها من خلال نقل البنك المركزي من أمانة العاصمة إلى محافظة عدن، يقول عبد الكريم أصبحت حالتي صعبة جداً لا راتب ولا عمل وتوقف الزمن في عيني “وظل يردد بصوت خافت (أنا أصبحت شخص ميت، هذا العالم ما ت فيه الضمير الإنساني)